ارتباك متزايد:
أبعاد أزمة حزب العدالة والتنمية في المغرب

ارتباك متزايد:

أبعاد أزمة حزب العدالة والتنمية في المغرب



يواجه حزب “العدالة والتنمية” المغربي، في الوقت الراهن، العديد من المشكلات في خضمّ سياق مأزوم تتداخل فيه معطيات الداخل في المغرب، وكذلك المتغيرات الإقليمية التي كشفت عن تعرض تيار الإسلام السياسي لتراجع ملحوظ كانت آخر ملامحه مع حركة النهضة في تونس، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول مؤشرات أزمة حزب العدالة والتنمية المغربي، وخصوصًا مع اقتراب انتخابات مجلس النواب المزمع عقدها يوم 8 سبتمبر المقبل.

مشكلات متعددة

1- الانقسامات داخل الحزب: فقد أفضى موقف الحكومة من الموافقة على قوانين، مثل: تقنين الحشيش، وتعميم اللغة الفرنسية في التعليم الابتدائي؛ إلى تنامي الإشكاليات داخل حزب العدالة والتنمية المغربي، خصوصًا أن هذه القضايا تزامنت مع خلافات حول طريقة إدارة الحزب. وقد أفضت هذه المتغيرات إلى تعرض الحزب لموجات من الاستقالات كان آخرها تلك التي جرت في شهر أغسطس 2021، إذ تقدّم أكثر من أربعين عضوًا في الحزب باستقالتهم، من بينهم مستشارون جماعيون وقياديون بالاتحاد الوطني للشغل، ووجوه فاعلة في حركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوية للحزب) وذلك على خلفية التوترات الداخلية التي يشهدها الحزب.

2- انعكاسات تراجع حركة النهضة: تُشير غالبية التحليلات إلى أن الاحتجاجات الشعبية التي بدأت من تونس وأدت في نهاية الأمر إلى سقوط حركة “النهضة”، التابعة لجماعة الإخوان، من المُرجَّح امتدادها إلى باقي منطقة المغرب العربي، فضلًا عن أن تلك الاحتجاجات تعكس الرفض والاستياء الشعبي في الشارع المغاربي من جماعة الإخوان المسلمين وباقي تيارات الإسلام السياسي التي صعدت إلى سدة الحكم بعد أحداث “الربيع العربي”؛ حيث تُنبئ احتجاجات تونس أيضًا بالتراجع والتدهور التدريجي الذي تعيشه قوى الإسلام السياسي في منطقة المغرب العربي بشكل عام.

وتنعكس أزمة حركة النهضة التونسية سلبًا على حزب العدالة والتنمية المغربي من خلال بعدين رئيسيين، أحدهما الربط بين إخفاقات حركة النهضة وحزب العدالة والتنمية، إذ تَشَكَّل خلال السنوات الماضية توجهٌ كبير يرى أن حزب العدالة والتنمية لم ينجح في تلبية احتياجات الشارع المغربي، بل إن سياساته ساهمت في تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، ناهيك عن اتهامات الفساد التي طالت عددًا من النواب والوزراء المحسوبين على الحزب، وهي معطيات تتعارض مع سياق صعود الحزب القوي في 2011، حيث ارتبط هذا الصعود برغبة المغاربة في تغيير الطبقة السياسية؛ إذ اكتسب حزب العدالة والتنمية منذ ذلك الحين قوة تنظيمية كبيرة سمحت له في نهاية المطاف بإعادة انتخابه في عام 2016، والسيطرة على جميع المدن الرئيسية في المغرب حتى اليوم؛ حيث تُعرف جميع المناطق الحضرية باسم معاقل حزب العدالة والتنمية.

ومن جهة أخرى، فإن أزمة حركة النهضة تضع حزب العدالة والتنمية المغربي في موقف حائر، لأنه يدرك أن انتقاده الرئيس التونسي “قيس سعيد” سيؤدي إلى التكريس لوجهة النظر بخصوص الحزب بأنه مجرد امتداد للتنظيم الدولي للإخوان، وكل ما يهم التنظيم مصالحه بصرف النظر عن المصالح الوطنية المغربية. ولذا التزم الحزب الصمت إزاء ما جرى لحركة النهضة التونسية، ولكن حتى هذا الموقف يضع الحزب أمام خيارات صعبة لأنه يمكن أن يؤدي إلى فقدان الحزب عددًا من مؤيديه الذين اعتبروا ما قام به الرئيس التونسي “قيس سعيد” بمثابة انقلاب، وخصوصًا أن بعض القوى، على غرار جماعة العدل والإحسان المغربية؛ نددت بما قام به الرئيس التونسي “قيس سعيّد” واعتبرته انقلابًا على الثورة والدستور.

3- معضلة العلاقات المغربية الإسرائيلية: بعد الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية بين المغرب وإسرائيل تزايدت الضغوط على حزب العدالة والتنمية، وخصوصًا أن الحكومة التي يقودها الحزب هي التي وقّعت على اتفاقية إقامة العلاقات، وخرج العديد من قيادات الحزب ليدافعوا عن الاتفاقية، وهو الأمر الذي قوبل بمعارضة واسعة النطاق للحكومة المغربية والحزب، وخصوصًا مع الخطوات التي اتخذتها الحكومة فيما بعد لتطوير العلاقات مع إسرائيل، حيث أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي مؤخرًا أنه اتفق مع نظيره المغربي على رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

مساران محتملان

رغم الشعبية التي يكتسبها الحزب داخليًا في السنوات الأخيرة، تصاعدت في الآونة الأخيرة تساؤلات حول مستقبل حزب العدالة والتنمية الإسلامي في ضوء التطورات السياسية التي جرت مؤخرًا. وثمة آراء متباينة بشأن تأثير سقوط التيار الإسلامي في الدول العربية على مستقبل حزب العدالة والتنمية وفرصه في الانتخابات التشريعية المقبلة. ومن هذا المنطلق، يبدو أن مستقبل الحزب محكوم بواحدٍ من المسارين المحتملين التاليين:

1- التراجع السياسي: ويفترض هذا المسار أنّ ما حدث للتيار الإسلامي في الدول العربية، ولا سيما في تونس، سيتم استنساخه في الانتخابات التشريعية المقبلة (2021) بالمغرب؛ وذلك لفشل العدالة والتنمية سواءً في حكومة “عبدالإله بنكيران” السابقة أو حكومة “سعد الدين العثماني” الحالية في التعاطي مع مجموعة من الملفات، فضلًا عن تراجع شعبية الحزب في الآونة الأخيرة.

ويكتسب هذا السيناريو وجاهته من المؤشرات التي كشفت عنها الانتخابات المهنية التي جرت يوم 6 أغسطس 2021، والتي شهدت تراجع دور “الاتحاد الوطني للشغل” (الذراع النقابية لـ”حزب العدالة والتنمية”)، وذلك مُقابل صعود حزب “التجمع الوطني للأحرار”. علاوة على استمرار الانسحابات والاستقالات من الحزب التي تُضعف موقف الحزب كثيرًا، إذ ارتبطت هذه الاستقالات بالاحتجاج على طريقة إدارة الانتخابات من قبل القيادة الحالية للحزب، وغياب الشفافية في عملية تعيين وكلاء اللوائح الانتخابية سواء المحلية أو التشريعية.

ولا يمكن إغفال أن قادة الحزب يتخوفون من نتائج الانتخابات القادمة، وربما يُدلل على ذلك الأمر، إعلان رئيس الحكومة المغربية “سعد الدين العثماني”، أمين عام حزب العدالة والتنمية وقائد الائتلاف الحكومي في الثالث من شهر أغسطس 2021، إمكانية تأجيل الانتخابات التشريعية بسبب تزايد عدد الإصابات المسجلة بفيروس كورونا المستجد، وذلك على الرغم من عدم مناقشة هذا الأمر داخل الحكومة، وذلك مع الوضع في الاعتبار أن ذلك الأمر يستلزم قرارًا ملكيًا وفقًا لنص الدستور.

2- تجنب السقوط: ووفقًا لهذا السيناريو يمكن للحزب أن يتجنب السقوط في الانتخابات القادمة، ويتفادى انعكاسات أزمة حركة النهضة التونسية، ويفترض هذا السيناريو أن سقوط النهضة في تونس لن يؤثر على حزب العدالة والتنمية؛ نظرًا لعدم التوافق التام بين الحزب وإخوان النهضة، فضلًا عن إن إخوان المغرب صنعوا لهم خطًا خاصًا يتناسب والمؤسسة الملكية ووضعية المغرب السياسية. في المجمل، يواجه حزب “العدالة والتنمية” المغربي العديد من التحديات الداخلية والإقليمية والتي يمكن أن تنعكس على فرص الحزب في انتخابات مجلس النواب القادمة المزمع إجراؤها في 8 سبتمبر المقبل؛ حيث شهد حزب العدالة والتنمية حالة من التراجع الشديد في شعبية الحزب ظهرت مؤشراتها في انتخابات “الاتحاد الوطني للشغل” (الذراع النقابية لـ”حزب العدالة والتنمية”) خلال الانتخابات المهنية التي جرت في السادس من الشهر الجاري، حيث خسر الحزب العديد من المقاعد وذلك مُقابل صعود حزب “التجمع الوطني للأحرار”، وهو الأمر الذي يمكن أن يتكرر في انتخابات مجلس النواب المقبلة.